سورة الفتح - تفسير تفسير ابن عجيبة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفتح)


        


يقول الحق جلّ جلاله: {إِنَّا فتحنا لك} الفتح عبارة عن الظفر بالبلدة عنوةً أو صُلحاً، بحرب أو بدون، فإنه ما لم يقع الظفر مُنْغَلِقٌ، مأخوذ من: فتح باب الدار. وإسناده إلى نون العظمة لإسناد الفعل إلى الله تعالى خلقاً وإيجاداً. قيل: المراد به فتح مكة، وهو المروي عن أنس رضي الله عنه، بُشِّر به صلى الله عليه وسلم عند انصرافه من الحُديبية. والتعبير عنه بصيغة الماضي على سَنَن الأخبار الإلهية المحققة الوقوع، للإذيان بتحققه، تأكيداً للتبشير، وتصدير الكلام بحرف التحقيق لذلك، وفيه من الفخامة والدلالة على علو شأن المخبَر به- وهو الفتح- ما لا يخفى. وقيل: هو فتح الحديبية، وهو الذي عند البخاري عن أنس، وهو الصحيح عند ابن عطية، وعليه الجمهور. وفيها أُخذت البيعة على الجهاد، وهو كان سبب إظهار الإسلام وفشوه، وذلك أنّ المشركين كانوا ممنوعين من مخالطة أهل الإسلام، للحرب التي كانت بينهم، فلما وقع الصلح اختلط الناسُ بعضهم مع بعض، وجعل الكفارُ يرون أنوارَ الإسلام، ويسمعون القرآن، فأسلم حينئذ بشر كثير قبل فتح مكة.
وقد ورد عنه صلى الله عليه وسلم حين بلغه أن رجلاً قال: ما هذا بفتح، لقد صَدُّونا عن البيت، ومَنعونا، قال: «بل هو أعظم الفتوح، وقد رضي المشركون أن يدفعوكم بالراح، ويسألوكم القضية، ويرغبوا إليكم في الأمان، وقد رأوا منكم ما يكرهون» وعن الشعبي أنه قال: نزلت سورة الفتح بالحديبية، وأصاب رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في تلك الغزوة ما لم يصب في غزوة، حيث بُويع بيعة الرضوان، وغُفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر، وبلغ الهَديُ مَحِلَّه، وبُشِّروا بخيبر، وظهرت الروم على فارس، ففرح به المسلمون، وكان في فتح الحديبية آية عظيمة، وهي أنه نزح ماؤها حتى لم يبقَ فيها قطرة، فتمضمض رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم مجّه فيها، فدرّت بالماء، حتى شرب جميع مَن كان معه، وقيل: جاش بالماء حتى امتلأت ولم ينفد ماؤها بعدُ. وقيل: هو جميع ما فتح له صلى الله عليه وسلم، من الإسلام، والدعوة، والنبوة، والحجة، والسيف، ولا فتح أبين منه وأعظم، وهو رأس الفتوح كافة؛ إذ لا فتح من فتوح الإسلام إلا هو شعبة من شُعبه، وفرع من فروعه. وقيل: الفتح: بمعنى القضاء، والمعنى: قضينا لك على أهل مكة أن تدخلها من قابل، وأيّاً ما كان فحذف المفعول للقصد إلى نفس الفعل، والإيذان بأنّ مناط التبشير هو نفس الفتح الصادر عنه سبحانه، لا خصوصية المفتوح. قاله أبو السعود.
{فتحاً مبيناً} ظاهر الأمر، مكشوف الحال، فارقاً بين الحق والباطل. وقوله تعالى: {ليغفر لك اللّهُ} غاية للفتح، من حيث إنه مترتب على سعيه صلى الله عليه وسلم في إعلاء كلمة الله، بمكابدة مشاق الحروب، واقتحام موارد الخطوب، أي: جعلنا الفتح على يديك، وبسبب سعيك، ليكون سبباً لغفران الله لك {ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر} أي: جميع ما فرط منك من ترك الأولى، وما سيقع، وتسميته ذنباً بالنظر إلى منصبه الجليل، وتقدم قريباً تحقيقه.
وقول الجلال: اللام للعلة الغائبة فمدخولها مسبب لا سبب، لا يريد التعليل على حقيقته العقلية، فإنه عليه تعالى محال، وإنما يُريد صورة التعليل، الذي هو حكمة الشيء، وفائدته العائدة على خلقه، فضلاً وإحساناً، فالحِكمُ والمصالح غاية لأفعاله تعالى، ومنافع راجعة إلى المخلوقات، وليس شيء منها غرضاً وعلة غائية لفعله، بحيث يكون سبباً لإقدامِه على الفعل، وعلة غائية للفعل؛ لغناه تعالى، وكماله في ذاته عن الاستكمال بفعل من الأفعال، وما ورد في الآيات والأحاديث مما يُوهم الغرض والعلة فإنه يُحمل على الغايات المترتبة والحكمة، فاحتفظ بذلك. قاله صابح الحاشية الفاسية. واللائق أن المعنى: إنا فتحنا لك وقضينا لك بأمرٍ عاقبته أن جَمَعَ الله لك بين سعادة الدنيا والآخرة، بأن غفر لك، وأتمّ نعمته عليك وهداك، ونصرك. فاللام لام العاقبة لا لام العلة؛ فإن إفضال الله على رسوله لا يُعلل ولا يُوازي بعمل. اهـ.
{ويُتم نعمتَه عليك} بإعلاء الدين، وضم المُلك إلى النبوة، وغيرها مما أفاض عليه من النعم الدينية والدنيوية، {ويهيديَكَ صراطاً مستقيماً} أي: يُثبتك على الطريق القويم، والدين المستقيم، والاستقامة وإن كانت حاصلة قبل الفتح، لكن حاصل بعد ذلك من اتضاح سبيل الحق، واستقامة مناهجه، ما لم يكن حاصلاً قبلُ. {ويَنصُرَك اللّهُ} أي: يُظهر دينك، ويُعزّك، فإظهار الاسم الجليل لكونه خاتمة الغايات، ولإظهار كمال العناية، بشأن النصر، كما يُعرب عنه تأكيده بقوله: {نصراً عزيزاً} أي: نصراً فيه عزة ومنعه، أو: قوياً منيعاً، على وصف المصدر بوصف صاحبه، مجازاً، للمبالغة، أو: عزيزاً صاحبه.
الإشارة: {إنّا فتحنا لك فتحاً مبيناً} بأن كشفنا لك عن أسرار ذاتنا، وأنوار صفاتنا، وجمال أفعالنا، فشاهدتنا بنا، ليغفر لك الله، أي: ليُغيبك عن وجودك في شعور محبوبك، ويستر عنك حسك ورسمك، حتى تكون بنا في كل شيء، قديماً وحديثاً، قال القشيري: وذنب الوجود هو الشرك في الوجود، وغفره: ستره بنور الوحدة، لمحو ظلمة الأثينية. اهـ. ويُتم نعمته عليك بالجمع بين شهود الربوبية، والقيام بآداب العبودية، ودلالة الخلق على شهود قيام الديمومية، ويهديك طريقاً مستقيماً تُوصل إلى حضرتنا، فتسلكها وتُبينها لمَن يكون على قدمك، وينصرك الله نصراً عزيزاً، بالتمكُّن في شهود ذاتنا، والعكوف في حضرتنا، محفوفاً بالنصرة والعناية، محمولاً في محفَّة الرعاية.


يقول الحق جلّ جلاله: {هو الذي أنزل السكينةَ} أي: السكون والطمأنينة، فعلة، من: السكون، كالبهيتة من البهتان، {في قلوب المؤمنين} حتى لم يتضعضعوا من الشروط التي عقدها صلى الله عليه وسلم مع المشركين، مَن رَدّ مَن أسلم منهم، وعدم ردهم مَن رجع إليهم، ومِن دخول مكة قابلاً بلا سلاح، وغير ذلك مما فعله صلى الله عليه وسلم معهم بالوحي، وما صدر عن عمر رضي الله عنه فلشدة قوته وصلابته، وما زال يعتق ويفعل أموراً كفارة لذلك. وقيل: {السكينة}: الصبر على ما أمر به الله من الشرائع والثقة بوعد الله، والتعظيم لأمر الله، {ليزدادوا إيماناً مع إِيمانهم} أي: يقيناً إلى يقينهم، أو: إيماناً بالشرائع مع إيمانهم بالعقائد.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: بعث الله نبيه بشهادة ألا إله إلا الله فلما صدَّقوه فيها، زادهم الصلاة، فلام صدّقوه، زادهم الزكاة، فلما صدّقوه، زادهم الحج، فلما صدّقوا زادهم الجهاد، ثم أكمل لهم دينهم، فذلك قوله: {ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم ولله جنودُ السماوات والأرض} يُدبرها كما يريد، يُسلط بعضها على بعض تارة، ويوقع الصلح بينهما أخرى، حسبنا تقتضيه مشيئته المبنية على الحِكَم والمصالح، {وكان الله عليماً} مبالغاً في العلم بجميع الأمور {حكيماً} في تدبيره وتقديره.
{ليُدخل المؤمنين والمؤمنات} اللام متعلق بما يدل عليه ما ذكر من قوله: {ولله جنود السماوات والأرض} من معنى التصرُّف، أي: دَبّر ما دَبَّر من تسليط المؤمنين، ليعرفوا نعمة الله ويشكروها، فيدخلهم {جناتٍ تجري من تحتها الأنهارُ خالدين فيها ويُكَفِّرَ عنهم سيئاتهم} أي: يُغطّي عنهم مساوئهم، فلا يظهرها لهم ولا لغيرهم. وتقديم الإدخال على التكفير، مع أن الترتيب في الوجود على العكس؛ للمسارعة إلى بيان ما هو المطلب الأعلى. {وكان ذلك} أي: ما ذكر من الإدخال والتكفير {عند الله فوزاً عظمياً} لا يُقادر قدره؛ لأنه منتهى ما امتدت إليه أعناق الهمم من جلب نفع ودفع ضر. و {عند الله}: حال من {فوزاً عظيماً} لأنه صفته في الأصل، فلما قُدّم عليه صار حالاً، أي: كائناً عند الله في علمه وقضائه. والجملة اعتراض مقُرِّرٌ لما قبله.
{ويُعذِّب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات} لِما أغاظهم من ذلك وكرهوه، وهو عطف على {يدخل}، وفي تقديم المنافقين على المشركين ما لا يخفى من الدلالة على أنهم أحق منهم بالعذاب. {الظانين بالله ظَنَّ السَّوءِ} أي: ظن الأمر السَّوء، وهو ألا ينصر الله رسولَه والمؤمنين، ولا يُرجعهم إلى مكة، فالسَّوء عبارة عن رداءة الشيء وفساده، يقال: فِعْلُ سَوُءٍ، أي: مسخوط فاسد. {عليهم دائرةُ السَّوءِ} أي: ما يظنونه ويتربصونه بالمؤمنين، وهو دائر عليهم وحائق بهم.
وفيه لغتان: فتح السين وضمها، كالكَره والكُره، والضَّعف والضَّعف، غير أن المفتوح غلب عليه أن يُضاف إليه ما يُراد ذمّه من كل شيء، وأما السُوء فجارٍ مجرى الشيء الذي هو نقيض الخير، أي: الدائرة التي يذمونها ويسخطونها دائرة عليهم، ولاحقة بهم، {وغَضِبَ اللّهُ عليهم ولعنهم وأعدَّ لهم جهنم وساءت مصيراً} لهم، وهو عطف لما استوجبوه في الآخرة على ما استوجبوه في الدنيا، وعطفَ {ولعنهم} وما بعده بالواو، مع أن حقهما الفاء المفيدة للسببية؛ إيذاناً باستقلال كل واحد منها بالوعيد، وأصالته، من غير استتباع بعضها لبعض.
{ولله جنودُ السماوات والأرض} إعادة لما سبق، وفائدتها: التنبيه على أن لله جنود الرحمة وجنود العذاب، كما ينبئ عنه التعرُّض لوصف العزة في قوله: {وكان اللّهُ عزيزاً} أي: غالباً فلا يُردّ بأسمه {حكيماً} فلا يعترض صنعه. والله تعالى أعلم.
الإشارة: هو الذي أنزل السكينة في قلوب المتوجهين، حتى سكنوا لصدمات تجلِّي الجلال، وأنوار الجمال، وسكنوا تحت مجاري الأقدار، كيفما برزت، بمرارة أو حلاوة، قال القشيري: والسكينةُ: ما يسكن إليه القلبُ من أنوار الإيمان والإيقان، أو العرفان بمشاهدة العيان، بل الاستغراق في بحر العين بلا أين. اهـ. ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم، فيترقُّوا من مقام الإسلام إلى مقام الإيمان، ومن مقام الإيمان إلى مقام الإحسان، أو من علم اليقين إلى عين اليقين، ومن عين اليقين إلى حق اليقين، أو من المراقبة إلى المشاهدة، أو من رؤية الأسباب إلى مسبب الأسباب.
{ولله جنودُ السماوات والأرض} وهي الجنود التي يمد الله بها الروح في محاربتها للنفس، حتى تغلبها وتستولي عليها، وهي اليقين، العلم، والذكر، والفكر، والواردات الإلهية، التي تأتي من حضرة القهّار، فتدمغ كل ما تُصادمه من الأغيار والأكدار، وكان الله عليماً بمَن يستحق هذه الواردات، حكيماً في ترتيبها وتدبيرها، ليُدخل مَن تأيّد بها جنات المعارف، تجري من تحتها أنهار العلوم والحِكَم، ويغطي عنهم مساوئهم حتى يصلوا إليه، بما منه إليهم، لا بما منهم إليه وهذا هو الفوز العظيم، يفوز صاحبه بالنعيم المقيم، في جوار الكريم. ويُعذب أهل النفاق المنتقدين على أولياء الله، المتوجهين إليه، الظانين بالله ظن السوء، وهو أن خصوصية التربية انقطعت. {ولله جنود السماوات والأرض} أي: جنود الحجاب، وهو جند النفس، من الهوى والشيطان، والدنيا والناس، يُسلطها على مَن يشاء من عباده، إن يبقى في ظلمة الحجاب، والله غالب على أمره.


يقول الحق جلّ جلاله: {إِنّا أرسلناك شاهداً} تشهد على أمتك يوم القيامة، كقوله: {وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة: 143] وهو حال مقدَّرة، {ومبشِّراً} لأهل الطاعة بالجنة، {ونذيراً} لأهل المعصية بالنار، {لتؤمنوا بالله ورسوله} والخطاب للرسول والأمة، {وتُعزِّروه} تقوُّوه بنصر دينه، {وتُوقِّروه} أي: تُعظِّموه بتعظيم رسوله وسائر حرماته، {وتُسبِّحوه} تُنزِّهوه، أو تُصلوا له، من: السبحة، {بكرةً وأصيلاً} غدوة وعشية، قيل: غدوة: صلاة الفجر، وعشية: الظهر والعصر والمغرب والعشاء. والضمائر لله تعالى. ومَن فرّق؛ فجعل الأولين للنبي صلى الله عليه وسلم والأخير لله تعالى، فقد أبعد. وقرأ المكي والبصري بالغيب في الأربعة، والضمائر للناس، وقرأ ابن السميفع: وتُعززوه بزاءين، أي: تنصروه وتُعِزُّوا دينه.
{إِنَّ الذين يُبايعونك} على الجهاد، بيعة الرضوان {إِنما يُبايعون اللّهَ} لأنه خليفة عنه، فعقد البيعة معه صلى الله عليه وسلم كعقدها مع الله من غير تفاوت بينهما، كقوله: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّه} [النساء: 80] ثم أكّد ذلك بقوله: {يدُ اللهِ فوق أيديهم} يعني: أن يد رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تعلو أيدي المبايعين هي يد الله، من باب مبالغة التشبيه، {فمَن نكث} نقض البيعة، ولم يفِ بها {فإِنما يَنكُثُ على نفسه} فلا يعود ضرر نكثه إلا عليه، قال جابر رضي الله عنه: «بايعنا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تحت الشجرة على الموت، وعلى ألاَ نفرّ، فما نكث أحدُ منا البيعةَ، إلا جَدّ بن قَيْسٍِ المنافق، اختبأ تحت إبطِ بعيره، ولم يَسر مع قومه». {ومَن أوفى بما عاهد عليه اللّهَ} يقال: وفيت بالعهد وأوفيت. وقرأ حفص بضم الهاء من {عليه} توسُّلاً لتفخيم لام الجلالة، وقيل: هو الأصل، وإنما كسر لمناسبة الياء. أي: ومَن وفَّى بعهده بالبيعة {فسيؤتيه أجراً عظيماً} الجنة وما فيها.
الإشارة: لكل جيل من الناس يبعث اللّهُ مَن يُذكِّرهم، ويدعوهم إلى الله، بمعرفته، أو بإقامة دينه، ليدوم الإيمان بالله ورسوله، ويحصل النصر والتعظيم للدين إلى يوم الدين، ولولا هؤلاء الخلفاء لضاع الدين، وقوله تعالى: {إنَّ الذين يُبايعونك} الآية، قال الورتجبي: ثم صرَّح بأنه عليه السلام مرآة لظهور ذاته وصفاته، وهو مقام الاتصاف بأنوار الذات والصفات في نور الفعل، فصار هو هو، إذا غاب الفعل في الصفة، وغابت الصفة في الذات. فقال: {إن الذين يُبايعونك...} الآية. وإلى ذلك يُشير الحلاّج وغيره. وقال في القوت: هذه أمدح آية في كتاب الله عزّ وجل، وأبلغ فضيلة فيه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه جعله في اللفظ بدلاً عنه، فيقول: لله، وليس هذا من الربوبية للخلق سوى رسول الله صلى الله عليه وسلم. اهـ.
وقال الحسن بن منصور الحلاج: لم يُظهر الحق تعالى مقام الجمع على أحد بالتصريح إلا على أخص نسَمِهِ وأشرفه، فقال: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله}. اهـ.
قال القشيري: وفي هذه الآية تصريحٌ بعين الجمع، كما قال: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ} [الأنفال: 17] وقال في مختصره: يُشير إلى كمال فنائه وجوده عليه السلام في الله وبقائه بالله. اهـ. فالآية تُشير إلى مقام الجمع، المنبه عليه في الحديث: «فإذا أحببته كنت سمعه، وبصره، ويده» وسائر قواه، الذي هو سر الخلافة والبقاء بالله وهذا الأمر حاصل لخلفائه صلى الله عليه وسلم من العارفين بالله، أهل الفناء والبقاء، وهم أهل التربية النبوية في كل زمان، فمَن بايعهم فقد بايع الله، ومَن نظر إليهم فقد نظر إلى الله، فمَن نكث العهد بعد عقده معهم فإنما ينكثه على نفسه، فتيبس شجرةُ إرادته، ويُطمس نور بصيرته، فيرجع إلى مقام عامة أهل اليمين ومَن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيماً شهود ذاته المقدسة على الدوام، والظفر بمقام المقربين، ثبتنا الله على منهاجه القويم، من غير انتكاص ولا رجوع، آمين.

1 | 2 | 3 | 4